الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

سلسلة مرحلة ما قبل الغلو (3) .. مسألة العذر بالجهل.. رؤية منهجية نفسية


مسألة العذر بالجهل.. رؤية منهجيّة نفسيّة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبي الله محمد ، أما بعد:
إن قضية الإعذار بالجهل -في المباحث العقدية- لَمِن القضايا ذات الجدل الكبير في التاريخ المعاصر، مع أنها لم تكن كذلك في قرون علمية سابقة، وإن من غير المستغرب أن يَتوجّه اهتمام أهل عصر من العصور إلى قضايا علمية تختلف عن القضايا محل الاهتمام في عصر آخر؛ إذْ تختلف المُعطَيات في كل عصر، غير أن المستنكر -حقّاً- هو أن يُلحَق بأصول الإسلام والمِلّة ما ليس منها؛ فهذا دأب أهل البدع، الذين ابتدعوا أصولاً غير إسلامية فألحقوها بأصول الإسلام ثم أقاموا الولاء والبراء على هذه الأصول؛ وقد يكون لبعض هذه المسائل أصل شرعي ولكنّ محلّها الصحيح أن تكون من قضايا الاختلاف أو الاجتهاد لا من أصول الإسلام وأركان الديانة!
ولذا؛ كان من مما تميز  به منهج أهل السنة والجماعة عن المناهج الأخرى أنهم منضبطون في تحديد أصول الإسلام بناء على أدلة الكتاب والسنة.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى (في القران والحكمة النبوية عامّة أصول الدين من المسائل والدلائل التي تستحق أن تكون أصول الدين)[1]
مسألة العذر بالجهل لا تخفى على طالب علم!!
يرى البعض أن من أصول الدين الإسلامي الواضحة لكل ناظر في العلم ، و التي لا تقبل النقاش: عدم إعذار  من وقع في الشرك جهلاً ممن ينتسب للإسلام، ويرى أنه مما يُزري بالعالم أو طالب العلم أن تُشكِل عليه هذه المسألة فيتوقفَ فيها أو يطيل البحث والتأمل، فضلاً عن أن ينتهي قوله فيها إلى الإعذار،
في حين أنك تجد تقريرات علميّة -من الطرفين: العاذر وغير العاذر- فيها نصّ على أن هذه المسألة عويصة، وفيها التباس! وممن قال بذلك من الذين يرون العذر بالجهل في الشرك : الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى حيث قال:
(وهذه المسألة -أعني مسألة العذر بالجهل- مسألة عظيمة شائكة، وهي من أعظم المسائل تحقيقاً وتصويراً، فمن النَّاس من أطلق وقال: لا يعذر بالجهل في أصول الدين كالتَّوحيد؛ فلو وجدنا مسلماً في بعض القرى أو البوادي النائية يعبد قبراً أو ولياً، ويقول: إنه مسلم، وإنه وجد آباءه على هذا ولم يعلم بأنه شرك فلا يعذر، والصحيح أنه لا يكفر)[2] اهـ.
وتجد في المقابل  -أيضاً- مثلُ هذا الوصف؛ فقد قال الشيخ علي الخضير  -وهو من الذين انتصروا بقوة للقول بعدم الإعذار بالجهل في الشرك- في شرحه (المعتصر) على كتاب التوحيد: (الجهل هل هو عذر في الشرك الأكبر أم ليس بعذر؟ وهذه مسألة من أشد المسائل، وهي مسألة عويصة، وهي من أصعب المسائل في التوحيد، وهذه المسألة كثر فيها الخلاف وفيها التباس كثير)[3] اهـ. ولك أن تقارن بين هذه النظرة لقضية العذر بالجهل وبين النظرة التي تجعلها من أوضح الواضحات التي لا تخفى على أصغر طالب علم!
العذر بالجهل بين انحرافين
لا تُخطئ عين الناقد رؤية انفلاتٍ علميٍ عند طائفة من المنتسبين للعلم الشرعي في قضية الإعذار بالجهل، بحيث يكاد يكون الإعذار بالجهل عندهم أصلاً مطّرداً في جميع الأحوال والقضايا والأعيان، حتّى أنك تجدهم يُلْبِسُون المعاند المتكبر ثوب الجاهل ليعذروه بذلك! ويعذرون بالجهل في أحوال لا يُتَصور فيها الجهل! وهذا الانفلات - والله أعلم- هو من مسببات الغلوّ في الجهة الأخرى، فإنك ترى -أيضا- تجاوزاً كبيراً ومبالغة ظاهرة  في قضية عدم الإعذار بالجهل، وذلك بإلحاقها بأصول الإسلام وإنزالها منزلة ليست لها، فتجد من يجعل هذه القضية في أول درجة من درجات سلم طلب العلم قبل إدراك فقه الأدلة والاستدلال؛ وربما لو سُئل بعضهم: ما أول واجب على المكلف؟ لقال: معرفة التوحيد والشرك ومسألة العذر بالجهل! ولو سألتَ بعض غلاتهم: مَن الموحّد؟ لقال: الموحّد هو من يعبد الله ولا يشرك به شيئا ولا يعذر بالجهل! وسيظهر من خلال هذه الورقة -بإذن الله- خطأ هذا القول.

حقيقة قول العاذرين بالجهل في أبواب الاعتقاد
إن التصور الخاطئ لحقيقة الخلاف في مسألة العذر بالجهل لَمِن أهم أسباب الانحراف في تقييم هذه المسألة والموقف من المخالفين فيها، فالذي يرى أن العاذر بالجهل لم يَكْفُر بالطّاغوت، أو يرى أن العاذر بالجهل لم يفهم أصل دينه، أو لم يُفرّق بين الإسلام والكفر فإنه لم يفهم حقيقة الخلاف في هذه المسألة.
إن تصوير موقف العاذر بالجهل في أبواب الشرك بأنه لا يُكفّر المشركين  غير صحيح، ولك أن تسأله عن أي مشرك في الأرض ممن لا يقول لا إله إلا الله هل يرى أنه مسلم؟ لا شك أنه سيجيبك بأنه مشرك سواء أكان جاهلا أم غير جاهل.
وإنما الذي يُشكِل عليه -من أصناف الواقعين في الشرك- هم من قام في حقهم معارض معتبر له أصول شرعية كالنطقِ بالشهادتين والعملِ بأركان الإسلام.
فالذي يعذر من ينطق بالشهادتين ممن يدعو غير الله أو يذبح لغيره -جاهلاً- إنما نظر في مجموع الأدلة محاولاً التوفيق بينها، فكأنه يقول: إنه يؤمن بأن دعاء غير الله شرك، والذبح لغيره شرك، ولكنه:
- يجد في نصوص الشرع أن من شهد الشهادتين وعمل بالأركان فإنه يدخل الجنة.
- ويجد في نصوص الشرع إعذار طائفة من المسلمين وقعوا في أمور كفرية كالذي أمر أبناءه بتحريقه وذرّه بعد موته خوفاً من الله لأنه ظن أنهم إن فعلوا به ذلك فإن الله لا يقدر على بعثه، وهذا كفر، ولكن الله عذره وعفا عنه. والخبر  في ذلك في الصحيحين[4]
- ويجد في نصوص كثير من العلماء بالشرع إعذاراً صريحاً لمن وقع في الشرك جهلاً.
- ويجد في نصوص الشرع تحذيرا شديداً من تكفير المسلمين.
- ويرى أن نصوص الوعيد قد جاءت مطلقة في الشرع وأنها لا تنطبق على الشخص المعين إلا بتوفر شروط وانتفاء موانع كما هي طريقة أهل السنة في نصوص الوعيد بشكل عام.
فمجموع هذه الأدلة حمله على تقديم الإعذار مع إقراره بأن هذا العمل شركٌ.
فهل يُقال بعد ذلك إنه لا يُفرِّق بين الإسلام والكفر؟ أو أنه لا يكفر بالطاغوت؟ أو لا يُكفّر المشركين؟!
إنّ مما يدلّ على خطأ هذا التصور أنك تجد طائفة من أهل العلم يعذرون من وقع في الشرك جهلاً فلا يُكفّرونه، مع أنهم قد بينوا أبواب التوحيد خير بيان، وحذروا من الشرك أعظم تحذير، ونشروا أدلة ذلك، وأجابوا عن الإشكالات والشبهات التي تُثار في أبواب توحيد العبادة، وأوذوا في سبيل ذلك ورُموا بكل نقيصة ؛ فهل يقال في حقهم إنهم لم يفهموا التوحيد؟ أو لم يفرقوا بين الإسلام والشرك لأنهم يعذرون المعين الجاهل؟!!
فابن تيمية -مثلاً-  ألف كتابه الفذّ (الاستغاثة) الذي أجاب فيه عن شبهات من يتعلّقون بغير الله بالدعاء والاستغاثة ونحو ذلك،  وقرّر فيه التوحيد بالبراهين الجليّة، وذكر في الكتاب ما تعرض له من الأذى على يد مخالفيه من القبوريين، ومع ذلك؛ قال في نفس الكتاب: (ولا يستطيع أحد أن ينقل عن أحد من الصحابة ولا من السلف أنهم بعد موته (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) طلبوا منه إغاثة ولا نصرا ولا إعانة ولا استسقوا بقبره ولا استنصروا به كما كانوا يفعلون ذلك في حياته، ولا فعل ذلك أحد من أهل العلم والإيمان، وإنما يحكى مثل ذلك عن أقوام جهال أتوا قبره فسألوه بعض الأطعمة أو استنصروه على بعض الظلمة، فحصل بعض ذلك؛ وذلك لكرامته على ربه ولحفظ إيمان أولئك الجهال؛ فإنهم إذا لم تقض حاجتهم وقع في قلوبهم الشك وضعف إيمانهم، أو وقع منهم إساءة أدب، ونفسُ طلبهم الحاجات من الأموات = هو إساءة أدب، فقضى الله حاجتهم لئلا يضعف إيمانهم به وبما جاء به لئلا يرتدوا عن الإيمان فإنهم كانوا قريبي عهد بإيمان)[5] فهو يقرر هنا أن عن هؤلاء المستغيثين بغير الله الجهال إيمانا؛ فهل يُقال لأجل هذا الكلام: إن ابن تيمية رحمه الله لا يفرق بين الإسلام والكفر؟! ولا يفهم أصل دينه. والنقول عن ابن تيمية في هذا الباب كثيرة جداً، لا يسع المقام المختصر لنقلها.
وأظهرُ من ذلك: ما قاله الإمام عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، -رحمه الله تعالى- والذي ألف كتاباً في بيان التوحيد والشرك، والفرقان بينهما، قَلّ أن تجد له نظيراً في تحريره وفوائده، وهو (رفعُ الاشتباه عن معنى العبادة والإله وتحقيق معنى التوحيد والشرك بالله) وقد قال فيه (فنحن وإن قلنا في صورة من صور السؤال ونحوها إن هذا الدعاء لغير الله تعالى عبادة وشرك، فليس مقصودنا أن من فعل ذلك يكون مشركاً، وإنما يكون مشركاً من فعل ذلك غير معذور، فأما من فعله معذوراً فلعله يكون من خيار عباد الله تعالى وأفضلهم وأتقاهم)[6] ! ويقصد بقوله (لعله يكون من خيار..) أن المرء قد يكون صالحاً في نفسه، من الخيار، إلا أنه قد يقع في الخطأ الكبير جاهلاً معذوراً، فلا يكون كمن انحرف عن الصراط عالماً عامداً، وعلى كل حال فالمراد من نقل كلام الإمام المعلمي رحمه الله هو بيان أن من أهل العلم من حرّر مسائل التوحيد وبيّن الشرك، ثم تجده بعد ذلك يعذر من وقع فيه جاهلا، فيرى أنه مسلم مخطئ معذور على خطئه مع صلاحه في نفسه.
وإذا كان بعض من يغلو في عدم الإعذار بالجهل يُكفّر العاذرين به؛ فماذا سيقول في المُعلّمي الذي تجاوز مجرد الإعذار إلى قوله بإمكانية أن يكون بعض من وقع في الشرك جاهلاً من خيار عباد الله!
فإن كان يرى كُفرَه فهذا شذوذ لا تجد له عليه موافقاً واحداً من أهل العلم، وإن كان يرى ضلاله وانحرافه وجهله فهذا مخالف لما شهد له به علماء السنّة من تقدمه في العلم وتميزه وبصيرته، وأنه قد عزَّ نظيره في عصره -رحمه الله-.
وقُل مثل ذلك في الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى وهو ممن شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، فقد ذكر كلاماً يبين فيه حقيقة قول العاذرين وذلك في مناظرة أجراها على لسان شخصين اختلفا في الجاهل، وأظهرَ قول العاذر على غير العاذر، فكان مما قال: ( ما ذكرت من دلالة الكتاب والسنة والإجماع على أن دعاء غير الله والاستغاثة به شرك وكفر مخلد في النار ، فهذا لا شك فيه ولا ريب وما ذكرته من مساواة جهلة اليهود والنصارى وجميع الكفار الذين لا يؤمنون بالرسول ولا يصدقونه بجهلة من يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويعتقد صدق كل ما قاله في كل شيء ويلتزم طاعته ثم يقع منه دعاء لغير الله وشرك به وهو لا يدري ولا يشعر أنه من الشرك بل يحسبه تعظيمًا لذلك المدعو مأمورًا به ، وما ذكرته من مساواة بين هذا وبين ذاك فإنه خطأ واضح دل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان على التفريق بين الأمرين، فإنه من المعلوم من الدين بالضرورة كفر جهال اليهود والنصارى وجميع أصناف الكفار وهذا أمر لا يمكن إنكاره ، وأما من كان مؤمنا بالرسول ومصدقا له في كل ما قاله، وملتزما لدينه ثم وقع منه خطأ في الاعتقاد أو القول والعمل جهلًا أو تقليدًا أو تأويلا فإن الله يقول : " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " عفا عن أمته الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه في المقالة والاعتقاد وإن كان كافرًا.
ويقال من اعتقدها أو عمل بها فهو كافر لكن قد يقع ويوجد مانع في بعض الأشخاص يمنع من تكفيره لعدم علمه أنه كفر وشرك فيوجب لنا التوقف في إطلاق الكفر على عينه، وإن كنا لا نشك أن المقالة كفر لوجود ذلك المانع المذكور وعلى هذا عمل الصحابة والتابعين في البدع ) [7]
وليس مرادي هنا سياق أقوال العاذرين ولا أقوال غير العاذرين، وإنما المراد بيان خطأ من يقول: إن من يعذر بالجهل لا يفرق بين الإسلام والكفر، أو لم يعرف أصل دينه!
المنطلقات والآثار النفسية
إن الدخول في مسـألة العذر بالجهل بطريقة خاطئة يفتح للمرء بوابة الغلو في التكفير على مصراعيها، وإن للغلوّ في هذه المسألة أثراً غريباً على طريقة تفكير المرء وعلى نظره في أحكام الشرع ومسائله، وعلى سلوكه مع من يخالفه في هذه القضية، بل وحتى على سلوكه الشخصي! وليس هذا خاصاً بمسألة العذر بالجهل؛ فإنك تجد مثل هذا الأثر فيمن يغلو في بعض الأفكار الأخرى.
إن الدخول في مسألة العذر بالجهل باندفاع غير مبني على علم وما يسببه من نظرة غاليةً في هذه المسألة، يكوّن خوفاً ذاتيّاً زائداً من الوقوع في الكفر، يدفع إلى التعامل مع مسائل التكفير بدافع نفسي أكثر من كونه علميا، وذلك لأن الغلو في هذه المسألة يلغي دائرة موانع التكفير -عملياً- ويعزز فكرة سهولة الوقوع في الكفر ، ويوسع من دائرة أصول الدين والمسائل الظاهرة، فـ(كل ناقض من النواقض يعتبر –عنده- مسألة ظاهرة+كل مسألة ظاهرة لا يعذر فيها بالجهل=كفر مباشرة) ويدفعه هذا -أحياناً- إلى تكفير نفسه، فتجده يُكفّر نفسه ثم يعود للإسلام، ويتوسع في تكفير من حوله بطريقة شاذّة، وتصبح مسألة العذر بالجهل -عنده- أم المسائل، والتحقيق فيها هو رأس العلم.
وقد يدفعه الحرص الزائد على تقحّم المسائل الكبار المتعلقة بالتكفير مهما كانت مُشكلة، يريد أن يكون له فيها قول، فتجده يتكلف الدخول في كل مسألة من هذه المسائل، ولا ينتهي من مسألة حتى يغوص في أخرى، ويبقى في دوامات هذه المسائل غير خارج منها، كل هذا خشية الوقوع في الكفر، لأن دائرة أصول الدين -عنده- يدخل فيها كثير من المسائل التي ليست عند أهل العلم كذلك.
-           وإذا دخل  في مسألة اختلف العلماء فيها هل هي من الكفر أم لا، تجده يرجح قول من يرى أنها كفر، ويتعلق بقول من قال بذلك من أهل العلم عند المحاجة والمناظرة، ليس لقوة الحجة، وإنما خوفا من الوقوع في الكفر، أو ميلاً إلى أصل عدم الإعذار!
-          وإذا اختلف العلماء في مسألة: هل هي من الشرك الأكبر أم الأصغر  تجده يرجح كونها من الشرك الأكبر، ليس لقوة الدليل، وإنما رهبة من الإرجاء أو الكفر!
-          ولا تجده يتوقف في مسألة من هذا الجنس، ولا يقرّ له بال حتى يحكم بالكفر فيها!
ومن الخلل السلوكي:
-          أنك تجده يتعامل بالشك مع من لا يعرف قوله في مسألة العذر بالجهل، فلا يواليه تمام الموالاة حتى يعلم أنه لا يعذر بالجهل، فإذا علم ذلك منه انبسط له وجهه، واجتمع على حبه قلبُه، بعد أن كان يجد من مخالطته قلقا وشكا!
-          ومن ذلك ازدراؤه كلّ من يخالفه في هذه المسألة مهما كان عالماً، فإذا ذُكر هذا العالم بثناء أو تعظيم، قال: (ولكنه يعذر بالجهل).
-          ومن ذلك إلحاقه قضية العذر بالجهل في التعرف على طلاب العلم والعلماء أو التعريف بهم.
·        هذا الشيخ فلان بن فلان وهو لا يعذر بالجهل!
·        من الشيخ فلان؟ هل يعذر بالجهل؟
وهذا كله مبني على بواعث نفسية أكثر من كونها دوافع علمية، والله تعالى أعلم.

رفعُ الجهل والتحذير من الشرك والكفر
ما ذا لو بُذل من الوقت والجهد في التحذير من الشرك ومن نواقض الإسلام مثل الوقت والجهد الذي بُذل في الخلاف في مسألة العذر بالجهل؟ وما ذا لو توجّه الحرص والجهد للتحذير من الجهل، ومحاربته، ورفعه بنشر العلم وبثه؟
ألا يكون هذا أقرب لهدي المرسلين عليهم سلام الله أجمعين؟!
كان الأنبياء يخاطبون أقوامهم المشركين -في مَقام الدعوة- باللين والحجة رأفة ورحمة بهم، ويظهرون الشفقة عليهم في الخطاب، فتجد كل نبي من الأنبياء يقول: (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم)، ولك أن تقف متأملاً عند قول الله تعالى لموسى وهارون في دعوتهما لمن ادعى الربوبية -فرعون- (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى).
وختاماً، فإني لم أكتب هذا المقال لأجيب عن السؤال المعروف: هل يعذر المرء الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إذا وقع في شيء من الشرك جاهلا أو مقلداً أم لا يعذر؟ فإن هذه المسألة قد قُتِلَت بحثاً، وصُنّفَ فيها من المصنفات ما يصعب حصره، وإنما لمحاولة إنزال هذه المسألة منزلتها، ولكسر حدّة من يجعلها من أصول الإسلام التي لا يُعذَر فيها المخالف، ولبيان آثار الغلوّ في هذه المسألة على النفس والتصور والسلوك، فإن أصبتُ فالحمد لله وحده، وإن أخطأت فكل ابن آدم خطّاء.. ومن بدا له تقويمٌ لشيء من هذا المقال فليكتبه لي جزاه الله خيراً.





[1] مجموع الفتاوى 3/303
[2] الشرح الممتع 6/193
[3] المعتصر - ص 4 - في شرحه لمقدمة كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
[4] صحيح البخاري (3481) صحيح مسلم (2756)
[5] الاستغاثة (الرد على البكري) لابن تيمية 1/201
[6] رفع الاشتباه  ص 726 ، المجلد الثالث ضمن مجموع آثار المعلمي.
[7] الفتاوى السعدية ، (ص579 – 580)

هناك تعليق واحد: