الأربعاء، 16 أبريل 2014

مناقشة رأي د. عدنان إبراهيم في (سنّ عائشة عند الزواج)

مناقشة رأي د. عدنان إبراهيم في (سنّ عائشة عند الزواج)
بسم الله الرحمن الرحيم

لم يكن خافياً على الدكتور عدنان إبراهيم أنه يخالف الأمر المستقر لدى علماء السير والتاريخ والطبقات عند ترجيحه بأن عائشة رضي الله عنها كان عُمُرها عشرين سنة حين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أتعجب من هذه المخالفة أمام القَدر الكبير من  الأخطاء العلمية التي ساقها على أنها أدلة موصلة إلى ما ترجح لديه في هذه المسألة!
إن من البدهي لدى كل باحث أنّ نفي المعلومة المتفقِ عليها بين أهل الاختصاص في فنٍّ ما = يتطلب تحرياً دقيقاً زائداً عن العادة في إثبات الحجة على نفيها وإقامة البرهان على صحة خلافها.
غير أن المستمع لحجج الدكتور عدنان في هذه القضية ليحتار  وهو يبحث عن السبب الذي جعله يعتمد على معلومات غير صحيحة فضلاً عن أن تكون حجةً على نقض أمرٍ مشهور ذائع بين العام والخاص!
وقبل أن أبدأ بمناقشة أهم أدلته على ما توصل إليه أود الإشارة إلى أنها عين الأدلة التي يُرددها كثير من المعاصرين، مكررين في تناقلهم إياها نفس الأخطاء العلمية الفادحة التي تُشعِر بضعف التحقيق.
ومِن أقدم الردود العلمية على أصحاب هذا القول:  رد الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في كتابه (نصرة الحديث) عام (1353 هـ)  وردّ الشيخ المحدث أحمد شاكر على عبّاس العقاد عام (1363) هـ .
وبعد أن أناقش أهم أدلة الدكتور عدنان سأجيب عن القضية الأساسية التي دفعته وغيره لهذا الرأي، وهي: هل هذا الزواج تُهمَة لنُبرِّئ النبي صلى الله عليه وسلم منها؟!

البداية
ابتدأ د. عدنان إبراهيم حديثه عن قضية سنّ السيدة عائشة رضي الله عنها ضمن خُطبة له مرفوعة على موقع (يوتيوب) بقوله (سأفجر ما يُشبه أن يكون لبعضكم قنبلة...أنا في شك أصلا من قضية عمر عائشة حين تزوجها النبي، والذي أرتاح إليه أنها كانت بنت عشرين، يعني من الثامنة عشرة إلى الواحدة أو الثانية والعشرين، ستقول لي كيف؟! هذا يناقض ما في البخاري! نعم، لأن هناك ما في البخاري وما في غير البخاري عشرات الروايات والوقائع تعيدنا وتضطرنا إلى أن نتشكك، وإلى أن نقول إن هناك خطأ ما، هناك خطأ حقيقي وقع في تقدير عمر  السيدة الصديقة بنت الصديق رضوان الله عليها)
وواصل مُثبتاً استحضاره لتصادم اختياره مع ما درج عليه أهل الاختصاص، فقال:
(كل ما درج عليه المؤرخون وأصحاب السير  والطبقات  أن عائشة ولدت قبل الهجرة بأربع سنين بخمس سنين، بست سنين، بسبع سنين، وهذا الأخير أرجح من غيره...لكنه ليس بصحيح)

الدليل الأعظم ومحاولات التشغيب !
إن أي دليل يمكن أن يعتمد عليه القائلون بأن عمر عائشة رضي الله عند الزواج عشرون سنة أو نحو ذلك فلا يمكن أن يكون صريحاً بقدر صراحة الدليل الأعظم في هذه القضية،  وهو كلام صاحبة الشأن نفسها: عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: "تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين
وهذا الخبر أخرجه الإمامان: البخاري (5133) ومسلم (1422) في صحيحيهما، وأخرجه غيرهما من أصحاب السنن والمسانيد ودواوين الإسلام المشهورة. ولا شك أن الخبر الصادر من صاحب الشأن هو أولى ما يؤخذ به. غير أن الدكتور عدنان له نقد على تصحيح هذا الخبر   بناه على هذه المعلومة، حيث قال:
 (الذي روى هذه القضايا : زواج عائشة، وسن عائشة، وخطبة النبي لها، ودخول النبي بها : شخص واحد تفرد برواية هذه المسألة وهو هشام بن عروة) ثم بدأ في تعليل الحديث بسبب هشام هذا، مرة من جهة رواية العراقيين عنه، ومرة من جهة تغير حفظه.
وهنا الوقفة الكبرى مع الدكتور عدنان.
لن أناقش ما ذكره من رواية العراقيين ولا من تغير حفظه فلا حاجة لذلك؛ لأنه -وبكل بساطة- لم يتفرد هشام بن عروة برواية هذا الحديث!
إن رواية هذا الحديث من غير طريق هشام بن عروة ليس أمراً خفياً يصعب استكشافه، فلم أذهب بعيداً في البحث عن ذلك، فقد وجدت في صحيح الإمام مسلم برقم (1422) رواية رجلين ثقتين لهذا الحديث سوى هشام بن عروة! وهما:
الإمام الزهري حيث رواه عن عروة عن عائشة،
والتابعي الثقة: الأسود حيث رواه عن عائشة رضي الله عنها.
في صحيح مسلم يا سادة! وليس في تاريخ ابن عساكر أو في جزء الألف دينار للقطيعي!
قد يقول قائل: معلومة فاتت الدكتور عدنان؛ وما الإشكال؟ كل العلماء يخطئون، خاصة وأنه يتحدث من حفظه!
وهذا اعتراض متهافت جداً؛ فهل يسوغ لباحث يريد التوصل إلى تضعيف حديث في الصحيحين -من جهة إسناده- أن يقوم بذلك دون أن يجمع طرقه من الصحيحين نفسهما؟!
وهل يُقبَل من باحث يريد نفي معلومة شائعة لدى العام والخاص من المسلمين أنه لا ينظر في مصدرها قبل أن ينفيها؟!
الذي أعتقده أن الدكتور عدنان اعتمد على كلام من قبله ممن أثار هذه القضية دون أن يقوم بنفسه بمراجعة المعلومات على خطورتها! لأن هذا الاعتراض ذاته قد طرحه غيره كما هو بالضبط.

عائشة ونزول سورة القمر
ذكَر الدكتور عدنان حديثاً في صحيح البخاري (4993) يعارض - في نظره- حديث عائشة في سن زواجها، وهو حديثٌ لها -أيضاً- تقول فيه : (لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: " بل  الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمرّ"  سورة القمر-46)
قال الدكتور عدنان (سورة القمر نزلت في مكة، نزلت بعد أن انشق القمر، وكان قبل الهجرة بسنين، تقول عائشة: حين نزلت الاية كنت جارية.
الجارية الصبية الفتية يعني بنت إحدى عشرة، اثنتا عشرة، شيء من هذا، مش أربعة، خمسة. جارية/ من الجراية والجراء كما قال في اللسان، انتبهوا اللغة، إني لجارية ألعب، تخرج تلعب في الشارع) انتهى.
فهو يريد أن يتوصل إلى أنه يستحيل أن تكون عائشة قد وُلدَت قبل الهجرة بخمس أو بست أو بسبع سنين، لأن هذا الوقت هو وقت نزول سورة القمر وهي في ذلك الحين كانت جارية تلعب، ولا يُطلق لفظ الجارية -في دعواه- على ابنة أربع سنين فضلاً عن أن يُطلَق على مولودة رضيعة!
وقبل أن أجيب عن هذا الاستدلال الضعيف جداً، أود أن أعلق على كلمة قالها الدكتور عدنان حين ذكر هذا الحديث، حيث قال ما نصه (هذا في البخاري، حديث صحيح ما فيه كلام) .
قلت: على أي أساس كان صحيحاً لا كلام فيه؟ ألِأجل إخراج البخاري له؟ فإن كان كذلك فليكن حديث عائشة في ذكر سنها صحيحاً لا كلام فيه من باب أولى لأنه اتفق على إخراجه البخاري ومسلم!
أم أنه صحيح لسلامته من التعارض مع غيره؟! فهذا لا يستقيم؛ لأنه يتعارض مع خبرها عن سن زواجها! وخبرُها الصريح أولى بالتقديم من الخبر غير الصريح، وما اتفق عليه الشيخان أولى بالتقديم -عند جماعة- مما انفرد به أحدهما!
وهذا كله من باب الإلزام بناء على المنهجية التي يتخذها؛ وإلا فلا تعارض بين الروايتين أصلاً، وكلا الروايتين صحيحة. والردّ على كلامه من وجهين:
الوجه الأول: أن عائشة رضي الله عنها لم تذكر نزول جميع السورة وإنما ذكرت نزول الاية؛ فإنه لو قُدّر أن السورة نزلت وعائشة لم تكن في سنّ الإدراك حينها، فإنه لا دليل على أن السورة نزلت كاملة في ذلك الوقت، ومن المعلوم أن سور القران منها ما ينزل مُفرّقاً، فعائشة تُخبر أنها كانت تدرك وقت نزول هذه الاية.
وذكر ابنُ حَجَر  -رحمه الله- في فتح الباري عند شرحه لهذا الحديث (4993) عدداً كبيراً من السور (المكية) التي نزل بعضها في (المدينة) !
بل قد أخرج ابن جرير الطبري (22/158) ما يُفهَم منه  أن الاية نزلت في المدينة، حيث قال: حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا داود عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال في هذه الاية (سيُهزَم الجمعُ ويولون الدبر) قال: كان ذلك يوم بدر. قال: قالوا: نحن جميع منتصر، فنزلت هذه الاية. ومن المعلوم أن هذه الاية هي التي قبل قول الله (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) وبينهما ارتباط من جهة السياق.
وليس المقام هنا مقام جمع أو ترجيح بين الخبرين في موضع نزولها: هل نزلت في المدينة أم في مكة. وإنما المُراد أن نزول السورة مبكراً لا يلزم منه نزول جميع آياتها.

الوجه الثاني: أنه عوّل على أن الجارية لا تكون ابنة أربع أو خمس وإنما ابنة إحدى عشرة أو اثنتي عشرة، وهذا الإطلاق غير صحيح، ويكفي في رده: الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أبوداود في سننه (376) وغيره من حديث أبي السمح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يُغسَل من بول الجارية ويُرَش من بول الغلام" والمقصود بالجارية هنا: الرضيعة التي لم تأكل الطعام!
وبوّب البخاري في صحيحه (باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة)
فكيف يصحّ بعد ذلك أن يُقَدّم الخبر غير الصريح على الخبر الصريح؟

بين أسماء وعائشة رضي الله عنهما
إن من أبرز الحجج التي يتمسك بها من يُنكر ما ثبت في البخاري ومسلم من سن عائشة عند الزواج هو حساب الفرق بين مولد عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما للوصول إلى نتيجة مخالفة للخبر.
وتوضيح ذلك من كلام الدكتور عدنان كما يلي، قال:
 (كُتُب التراجم والطبقات -أكثرها-، -ومنهم ابن حجر في الإصابة- تذكر أن أسماء بنت أبي بكر أسن من أختها عائشة بعشر سنوات ثم يذكرون جميعا -كل العلماء والمؤرخين- أن أسماء ولدت لسبع وعشرين قبل التاريخ -أي قبل الهجرة- يعني لأربع عشرة سنة قبل البعثة وهي أسن من عائشة بعشر؛ فتكون عائشة ولدت أربعة قبل البعثة. والدليل الذي يصحح هذا : أنهم اتفقوا جميعا على أن السيدة أسماء رضوان الله عليها قد توفيت سنة ثلاث وسبعين عن مائة سنة، الكل يقول هذا، بعضهم زادها سنة أو نقص سنة أو سنتين.
وهذا ملتئم مع التاريخ الأول؛ لأنها إذا ماتت في سنة ثلاث وسبعين للهجرة عن مائة سنة فيكون عمرها عند الهجرة سبعا وعشرين ، وهذا صحيح لأنهم قالوا ولدت قبل التاريخ بسبع وعشرين. وأسماء أسن من عائشة بعشر سنين؛ فلا بد أن تكون عائشة قد ولدت قبل البعثة بأربع،أو  خمس ، أو ست أو حتى سبع سنين هذا ملتئم جدا) انتهى.
ما ألطف هذا الاستنتاج لو بُني على معلومات صحيحة دون معارض أصح منها، وحين نلاحظ قوة الطرح من الدكتور عدنان ونسبته ما ذكر إلى كل العلماء وجميع المؤرخين فهذا يدفعنا للبحث والتحري، فهل بالفعل اتفق العلماء والمؤرخون على ما ذكره؟
هو ذكر لنا اتفاقاً على أمرين:
الأول: أن أسماء رضي الله عنها ولدت لسبع وعشرين قبل التاريخ -أي قبل الهجرة- .
والثاني: أنها توفيت سنة ثلاث وسبعين عن مائة سنة.
والمعلومة الثالثة نسبها لأكثر كتب التراجم والطبقات وهي أن الفرق في العمر  بينهما عشر سنين.
وقبل مناقشة هذه المعلومات أعود إلى السؤال المنهجي: متى نأخذ بإجماع المؤرخين والعلماء ومتى نرده يا دكتور عدنان؟
لماذا قبلته هنا ورددته حين أجمعوا - كما نقلتَه - على أن سن عائشة عند الزواج تسع سنين؟
ما المعيار , وما الميزان الذي جعلك تقبل هذا وترد ذاك؟!
هذا أمر. والأمر الآخر: من يقول أن القضية فيها إجماع أصلاً؟
ثم إن النتيجة التي توصل إليها الدكتور لا تتم إلا عن طريق إثبات أن الفرق بين سِنَّيْ أسماء وعائشة عشر سنين وإلا فلن نستفيد من الإجماع -المُدّعى- على وقت ميلاد أسماء ووقت وفاتها شيئا في قضيتنا !
وإن حققنا في هذا فسنجد أن أشهر ما يعتمد عليه المؤرخون هو كلام عبد الرحمن بن أبي الزناد في إثبات أن الفرق عشر سنين، وهو كلام مُرسَل لا يُمكن أبداً أن يُصادَم به النص الصريح الصحيح عن عائشة في وقت زواجها !!
بل إن الذهبي في سير أعلام النبلاء ذكر في ترجمة أسماء رضي الله عنها خلاف ذلك، فقال(2/287) (وكانت أسنّ من عائشة ببضع عشرة سنة).
 وقال في ترجمة عبد الله بن الزبير(3/380) : (قال ابن أبي الزناد : كانت -يعني أسماء- أكبر من عائشة بعشر سنين. قلت : فعلى هذا يكون عمرها إحدى وتسعين سنة. -يعني عند وفاتها- وأما هشام بن عروة ، فقال : عاشت مائة سنة ، ولم يسقط لها سن.) انتهى.
وهذان النصّان في كتابٍ من أشهر كتب التراجم، وفي أحدهما نقضٌ للإجماع المُدّعى على أن عمر أسماء عند وفاتها مائة سنة!

وأيضاً.. دعاوى الإجماع !!
يقول الدكتور عدنان: (يذكرون جميعا بما فيهم ابن حجر في تقريب التهذيب والذهبي في النبلاء وغيرهم أن فاطمة عليها السلام أسن من عائشة بخمس سنين -وهي بنت خديجة- وقد رُزِقَها الرسول وله من العمر خمس وثلاثون؛ إذن لما وُلدت عائشة كم كان عمر الرسول؟ أربعون. هذا هو. وهذا يشكك على الرواية المشهورة التي الكل يقولها) انتهى.
ما الغرض من إيراد هذا الكلام؟ هل هو مجرد التشكيك في الرواية المشهورة (التي الكل يقولها) ؟ أم أن الدكتور يُقر بما جاء فيه؟
لئن كان إقراراً؛ أليس يُعارض ترجيحه بأن مولد عائشة كان قبل البعثة بأربع سنين، بينما يُقرّ -هنا- بأنها ولدت حين كان عمر الرسول صلى الله عليه وسلم أربعين سنة، أي: عام البِعثة؛ فبأيهما نأخذ؟!
ولئن كان مجرد تشكيك في الرواية المشهورة فعلى أي شيء بُنِي هذا الإجماع؟ وهل مراده نقل الإجماع على إثبات الفرق بينهما في السن فقط أم على أن مولد فاطمة رضي الله عنها كان قبل البعثة بخمس - أيضاً - ؟ لأن النتيجة لا تظهر من إثبات الفرق في السن إلا بإثبات وقت الميلاد؟
أعود إلى سير أعلام النبلاء الذي ذكره الدكتور عدنان لأجد فيه (3/429) (وعائشة ممن ولد في الإسلام وهي أصغر من فاطمة بثمان سنين) فهل يخرم الذهبي قوله (يذكرون جميعا)؟ أعتقد أن الجواب سيكون : نعم؛ لأن الدكتور نص على ذكر الذهبي وعلى ذكر سيره أيضاً.
وقال الذهبي في ترجمة فاطمة (3/417) (مولدها قبل البعثة بقليل)
وأما في تقريب التهذيب لابن حجر فلم أجد شيئاً مما نقله الدكتور لا في ترجمة فاطمة ولا في ترجمة عائشة رضي الله عنهما.
بل وجدتُ فيه ما يُعارض قوله حيث ذكر ابن حجر رحمه الله في ترجمة فاطمة (ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وقد جاوزت العشرين بقليل) اهـ.
فلو حسبنا الفرق -على ما نقل الدكتور عنهم جميعاً- على أنه خمس سنين لقلنا إن عمر عائشة وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت بحدود سن الثامنة عشرة أو نحوها وهذا ما يتوافق مع رواية مسلم (1422) لذلك عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم مات عنها وهي بنت ثمان عشرة)

في الأخير
(في الأخير أنا ما أحب أن أقرره أن الرواة أخطأوا في كلمة (بعثة) و (هجرة) ،عائشة ولدت قبل البعثة بأربع أو خمس سنوات هذا هو الصحيح ولما تزوجها النبي كانت قريبا من العشرين، أخطأوا فقط (بعثة/هجرة) هذا هو الخطأ، ودرج عليه كل العلماء إلى اليوم) انتهى.
وبعد مناقشة كلامه وأدلته تبين لنا من الذي أخطأ في تركيب الأدلة، وفي عزو الأقوال، وفي تحقيق دعاوى الإجماع.

من المُتَّهَم؟
(أنا لدي استعداد أن أشكك في مرويات، في أحاديث، في أشخاص، في أشياء كثيرة لكن لا أشكك في نبيّي)
بهذا الكلام ختم الدكتور عدنان حديثه عن المسألة وأبان لنا عن سِر القضية وأنها ليست مجرد اكتشاف علمي أو مطارحة بحثية، وإنما القضية دفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من (تهمة) زواجه من عائشة وهي ابنة تسع سنين.
والسؤال هنا: لِم كانت هذه القضية تُهمة؟ ومن الذي جعلها تهمة؟ أليست عائشة رضي الله عنها هي التي نقلتها لنا؟ لو كانت تجد غضاضة من هذا الأمر ألا تكون قد سكتت عن نقله؟ ألم تُسطر لنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل ألوان الحياة الزوجية؟
ثم، هل وجدنا أحداً من المُشركين في ذلك الوقت يطعن بالنبي صلى الله عليه وسلم بسبب هذا الزواج؟
ثم، هل نفهم من هذا أن كل علماء المسلمين كان ضميرهم ميتاً، وغيرتهم على رسول الله ضعيفة حين أقروا بــــ (تهمة) زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة وهي صغيرة حتى بُعِثَت الضمائر في هذا العصر المليء بالعجائب؟!
لقد كان هذا عُرفاً سائداً يا سادة، ليس خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بالمسلمين لقد كان هذا شائعا في العرب في ذلك الوقت وبعده إلى وقت قريب، وهناك من النساء من تبلغ عند هذا السن.
قال الشافعي رحمه الله (أعْجلُ من سمعتُ به من النساء يَحِضْن: نساء تِهامة، يحضن لتسعِ سنين) السنن الكبرى للبيهقي (1/319)
وأسند البيهقي عنه في السنن الكبرى (1/319)  قوله: (رأيت بصنعاءَ جَدَّةً بنت إحدى وعشرين سنة! حاضت ابنةَ تسع، وولدت ابنة عشر، وحاضت البنت ابنة تسع، وولدت ابنة عشر)  وإسناده عند البيهقي إلى الشافعي غير صحيح .
وفي السنن أيضا (7/420) أسند البيهقي عن عباد بن عباد المهلبي قال (أدركْتُ فينا - يعني المهالبة- امرأة صارت جدة وهي ابنة ثمان عشرة، ولدت لتسع سنين ابنة، فولدت ابنتها لتسع سنين؛ فصارت جدة وهي ابنة ثمان عشرة)
وأسند أيضاً (7/421) عن الليث بن سعد أن أبا صالح حدثه عن رجل أخبره أن ابنةً له حملت وهي ابنةُ عشر سنين. اهـ.
ويقول الشيخ فهد الغفيلي في كتابه (السنا الوهّاج في سنّ عائشة عند الزواج) (ص281) : (علماً بأن هناك إحصائيات في هذا على مستوى العالم في حَمْل الفتيات بسن العاشرة وحولها، فاكتفيتُ بما ستقرأ من نماذج... علماً بأنني لن أتكلم عن أمهاتنا اللاتي بالجزيرة العربية لأن هذا معروف ومتواتر، تزوجن بالتاسعة والعاشرة فما فوق) انتهى.
وأنا - والله- أعرف امرأة طاعنة في السن أخبرتني بنفسها أنها تزوجت وهي ابنة تسع.
وبقي من كلام الدكتور عدنان شيئاً يسيرا أتركه خشية الإطالة وهو مثل سابقه من الأدلة.
والحمد لله رب العالمين ، وصل اللهم على نبينا محمد.
* كلام الدكتور عدنان نقلته من مقطع له منشور في موقع (يوتيوب) بروابط كثيرة، منها هذا الرابط: 
https://www.youtube.com/watch?v=YlITdygQg4I